فاطمة الزهراء.. ثارت لتمكين المرأة وأقرت مبدأ المطالبة بالميراث في الإسلام

حقوقيات في زمن النبوة "8"

فاطمة الزهراء.. ثارت لتمكين المرأة وأقرت مبدأ المطالبة بالميراث في الإسلام

من المقاصد السامية التي جاء من أجلها الإسلام، القضاء على السيطرة العنصرية للرجل على المرأة في كل مناحي الحياة، خاصة في التعاملات الاقتصادية ومشكلات الميراث المستمرة حتى يومنا هذا، وكان من نتيجة ذلك أن ظهرت في صدر الإسلام نساء ارتفعن وسمون إلى منازل القدوة، فإذا بهن قمم شامخة في الشجاعة والجرأة وطلب الحق.

كانت فاطمة الزهراء ريحانة قلب النبي وسيدة نساء العالمين، تقف في مقدمة هؤلاء النساء، فسجلت الزهراء في ناصية التاريخ الإسلامي من خلال مطالبتها بميراثها من أبي بكر، أن المرأة المسلمة حرّة وكريمة في ظل الإسلام، وبإمكانها المطالبة بحقها المشروع بكل شجاعة وثقة، لتقر بفعلها حقا أصيلا من حقوق المرأة، وهو المطالبة بأموالها وميراثها وكل ما يساعدها على تمكينها اقتصاديًا.

ولهذا قصة، المثبت فيها وفقًا لكتب السيرة التي يُستند إليها، أن فاطمة الزهراء أتت أبا بكر الصديق تسأله ميراثها من أبيها وقد تعلقت آمالها بنيله، فحدثها أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا نورث، ما تركناه صدقة"، فوجدت عليه ثم تعللت، أي أنها حاجته وتمسكت بنصوص القرآن.

هنا واجهت بل وتحدت فاطمة، وهي شابة تخطت منتصف العشرينيات بقليل وحدها، السلطة متمثلة في أبي بكر، تناقشه وتختلف معه في قوة وثبات متمسكة بحقها في ميراث أبيها لفترة امتدت لقبيل وفاتها، إذ استأذن أبو بكر الرجل الأول والأهم في الإسلام آنذاك للدخول عليها طالبًا رضاها، ويرى أهل السنة والجماعة أنّ خلاف أبي بكر الصديق مع فاطمة كان خلافًا سائغًا بين طرفين لدى كل منهما أدلة على رأيه، وأن طلب فاطمة ميراثها من أبيها من أبي بكر، كان قبل أن تسمع الحديث الذي دل على خصوصية النبي، وكانت متمسكة بما في كتاب الله.

ووجب التنويه لحكمة الله في هذا الحكم، وهي وكما أوردها العلماء: في ألّا يورث الرسول المال أهله من بعده، وذلك لئلا تكون تلك شبهة لمن يقدح في نبوة النبي، بأنه طلب الدنيا وقاتل في الغزوات ليخلف الثروات والأموال لورثته.

وتحليلًا لشخصية السيدة فاطمة الزهراء، فهي إلى جانب كونها ثائرة، كانت رضي الله عنها وأرضاها بلغة هذا الزمان "عالمة" وراوية للحديث، أخذ عنها العديد من الصحابة، قوية تقف لوالدها محمد النبي حينما يؤذيه كفار قريش، أسست للمرأة حق المطالبة بميراثها والإلحاح فيه، وهو حق رغم مرور ما يزيد على 1400 عام ما زالت النساء تنهض وتثور لأجله، وهي وبهذا كله تساوي بين الجنسين عمليًا، فما الذي يمكن لرجل أن يفعله ولم تفعله بنت رسول الله وريحانة فؤاده؟

التمكين الاقتصادي الذي ثارت لأجله فاطمه شاغلة الساحة السياسية للمسلمين حينها، ما زالت بعض الدول تتهرب منه.

فوفقًا لتقارير للأمم المتحدة، رغم أن 143 دولة ضمنت المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها بحلول عام 2014، إلا أن هناك 52 دولة لم تقم بهذه الخطوة بعد، ولا تزال الفوارق الصارخة بين الجنسين موجودة في المجالات الاقتصادية والسياسية، وفيما تحقق بعض التقدم على مدى العقود، إلا أن المرأة لا تزال تكسب أقل من الرجال في سوق العمل على مستوى العالم بنسبة 20%. 

خطورة ترك النساء بلا تمكين اقتصادي يتضح مما اقتبسته المفوضة السامية لحقوق الإنسان من بيانات البنك الدولي لعام 2018، ما يشير إلى أن 36 من أصل 189 دولة لا تمنح الأرملة نفس الحقوق في الإرث التي تمنحها للأرمل الرجل، كما أنه في 39 دولة، يتم منع الوريثة الأنثى من الحصول على نفس النسبة التي يحصل عليها الوريث الذكر، وعدم المساواة بحصص الإرث تترك النساء اللواتي يعانين فقدان أحبائهن أكثر ضعفاً في فترة صعبة من حياتهن. 

إن ذلك قد يجعلهن معتمدات على نوايا وتوجهات أقاربهن الرجال، ما يقلل من قدرتهن على اتخاذ قرارات تتعلق بهن وبعائلاتهن، فمنح النساء حقوقا متساوية في الميراث هو بمثابة تمكينهن وحماية حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية. 

فلا خلاف على أن تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين النساء والفتيات هو عمل غير مكتمل في عصرنا، وأكبر تحدٍ لحقوق الإنسان في عالمنا، كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

مناقبها

كانت رضي الله عنها وأرضاها علامة وتقية، روت الزهراء عن أبيها، وروى عنها ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وغيرهم، وروايتها في الكتب الستة، وقد كان النبي ﷺ يحبها ويكرمها ويسر إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة خيّرة قانعة شاكرة لله.   

وقد غضب لها النبي لما بلغه أن أبا الحسن هم بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل، فقال: "والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله، وإنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها"، فترك علي الخطبة رعاية لها، فما تزوج عليها، رضي الله عنهما.

وداع النبي لفاطمة

في مرضه الذي قُبض فيه، وفي اللحظات الأخيرة، اختار النبي عليه الصلاة والسلام فاطمة لتدنو منه وأخبرها أنه الوداع الأخير، اختصها بحديث منفرد ليؤكد لها أن اللحظات القادمة هي آخر عهده بالدنيا كما نعرفها.

ووفقًا لكتب السيرة، بكت فاطمة، فأردف النبي مبشراً: "أنت أول الناس لحوقاً بي يا فاطمة" فضحكت مستبشرة، اطمأن قلبها لأنها لن تفارقه لسنوات يشق عليها احتمالها، اطمأنت لأشهر الألم التي ستحتملها كارهة.

وكما اختارها النبي دائماً لكنفه، اختارها أيضاً لمجاورته الجنة، فهو من ضرب الأمثلة على حب أب اختار أن يكون لابنته صديقاً مقرباً، واختارت هي أن تكون له صديقة فضلى، هو من ضرب الأمثلة بكيف يمكن لأب أن يحتوى ابنته طفلة، وأنثى وامرأة، هو من سمح لمشاعر غيرة الأب على ابنته بالظهور عندما علم منها أن "علي ابن أبي طالب" ينتوي الزواج عليها. 

وداع فاطمة لعلي 

أما وداع فاطمة الذي انتظرته بعد موت أبيها بصبر فارغ، فكان لعلي بن أبي طالب، زوجها الحبيب، فاختصته بالوداع، وانفردت به في حديث مطول، تركت به فاطمة الوصايا التي ذكرتها عنها كتب السيرة، فأوصته ألا ينكشف جسدها على غيره، فطلبت منه أن يقوم بغسلها دون أن ينزع عنها ثوبها، وأوصته بأن يتزوج من بعدها لأنها تعلم تمام العلم أن الرجل لا يمكن له الحياة بدون امرأة بجانبه، وأوصته على أحفاد النبي "الحسن والحسين" وضغطت على يديه في رجاء قائلة: يا بن العمّ، إنّي أجد الموت، الذي لا بدّ منه، ولا محيص عنه، وأنا أعلم أنّك بعدي لا تصبر على قلة التزويج، فإن أنت تزوجت امرأة، اجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادي يوماً وليلة.. يا أبا الحسن ولا تصح في وجههما، فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان أمّهما، فالويل لأمّة تقتلهما وتبغضهما". 

أوصته متجاوزة دموعه حزناً على فراقها، أن يدفنها سراً، وأن يحملها للقبر وحده ليلاً، وألا يسير خلفها سوى من أخلص في حبها وحب النبي عليه الصلاة والسلام.. في وداعها الأخير لخصت فاطمة علاقتها بعلي في وصايا عكست فيها حباً جماً لزوجة أحبت زوجها وعاونته في الشدة والفقر، أغمضت عينيها وقالت مودعة: "يا عليّ، أنا فاطمة بنت محمد، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي من غيري، حنطني وغسّلني وكفّني بالليل وصلّ عليّ، وادفنّي بالليل ولا تعلم أحداً، وأستودعك الله، واقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة"، فسلاماً على فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، هكذا خلق الله امرأة تشع حباً لتضيء حياة من حولها.

وفاتها

تنفيذًا لوصيتها دفنت ليلاً، وحملت الزهراء رضي الله عنها إلى مثواها الأخير، في نعش صنعته لها أسماء بنت عميس رضي الله عنها بمواصفات خاصة، وذلك لشدة حيائها رضي الله عنها فقد استقبحت أن تحمل على الآلة الخشبية ويطرح عليها الثوب فيصفها، فكان نعشها عبارة عن سرير شدت جرائد النخيل على قوائمه، ثم غطي بثوب، فكانت السيدة فاطمة أول من حملت في نعش.   

وعن أنس: أن رسول الله كان يمر ببيت فاطمة، إذا خرج لصلاة الفجر يقول: "الصلاة يا أهل بيت محمد، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية